الحمد لله
والصلاة
والسلام
على رسول
الله
الجهاد من
الكلمات
التى أُسىء
استعمالها
لعدم فهم
معناها
فهما صحيحا
، فالجهاد
مأخوذ من
الجَهْد
وهو التعب ،
أو الجُهد
وهو القوة،
فالمجاهد
يبذل
جُهْدا يحس
فيه
بِجَهْد ،
أي يبذل قوة
يحس فيها
بتعب ،
ومعنى
الجهاد بذل
الجهد لنيل
مرغوب فيه
أو دفع
مرغوب عنه ،
يعنى لجلب
نفع أو منع
ضر، وهو
يكون بأية
وسيلة وفى
أى ميدان
حسى أو
معنوى ،
ومنه جهاد
النفس
والشيطان
وجهاد
الفقر
والجهل
والمرض
وجهاد
البشر.
والنصوص فى
ذلك كثيرة ،
وجهاد
البشر يكون
بدفع
الصائل
المعتدى
على النفس
أو المال أو
العرض ،
والميت فى
هذا الجهاد
شهيد كما صح
فى الحديث ،
كما يكون
الجهاد عند
الاعتداء
على
الأوطان
والحرمات ،
أو الوقوف
ضد الدعوة
إلى الخير.
والجهاد فى
سبيل اللّه
عرف فى
الشرع بما
يرادف
الحرب
لإعلاء
كلمة
اللَّه ،
ووسيلته
حمل السلاح
وما يساعد
عليه ويتصل
به من إعداد
وتمويل
وتخطيط ،
ويشترك فيه
عدد كبير من
الناس ، من
زراع وصناع
وتجار
وأطباء
ومهندسين
وعمال
ورجال أمن
ودعاة
وكُتَّاب ،
وكل من يسهم
فى المعركة
من قريب أو
بعيد .
وكان هذا
الجهاد هو
الشغل
الشاغل
للمسلمين
فى بدء
تكوين
المجتمع
الإسلامى
وأكثر آيات
القراَن
وأكثر
الأحاديث
كانت للأمر
به
والتشجيع
عليه : {
انفروا
خفافا
وثقالا
وجاهدوا
بأموالكم
وأنفسكم فى
سبيل
اللَّه }
التوبة : 41،
وهو فرض عين
على كل قادر
عليه إن
أغار علينا
العدو،
وفرض كفاية
إن لم تكن
إغارة
علينا ،
وإذا
استنفر
الإمام
القوة وجب
الخروج ،
لقوله
تعالى : {
يا أيها
الذين
آمنوا ما
لكم إذا قيل
لكم انفروا
فى سبيل
اللّه
اثاقلتم
إلى الأرض .
. . }
التوبة : 38،
وحديث
البخارى
ومسلم "
وإذا
استنفرتم
فانفروا "
لقد كان
هناك
انتقال
بالدعوة
لنشرها فى
ربوع
العالم حيث
يقوم بذلك
جماعة من
القادرين
نيابة عن
غيرهم ما
دامت فيهم
كفاية ، وكل
مسلم يجب أن
يكون
مستعدًّا
لإجابة
الداعى إلى
الجهاد ،
وعليهم
جميعا أن
يكونوا على
أقصى درجات
الاستعداد
{ وأعدوا
لهم ما
استطعتم من
قوة . . . . }
الأنفال :
60 ، .
لكن : هل
حمل السلاح
هو الوسيلة
الوحيدة
لنشر
الدعوة؟ إن
مهمة حمل
السلاح
كانت
لغرضين
أساسيين ،
أولهما رد
العدوان
الواقع أو
المنتظر،
والثانى
تأمين طريق
الدعوة .
ورَدُ
العدوان
ظهر فى
غزوات بدر
وأحد
والخندق
وغيرها ،
وكان
عدوانا
حقيقيا
واقعا ،
ومنه إغاثة
المظلومين
: { وإن
استنصروكم
فى الدين
فعليكم
النصر. . .
} الأنفال
: 72 ، أما رد
العدوان
المنتظر
فكان فى فتح
مكة حيث
نقضت قريش
عهدها الذى
أبرمته مع
النبى صلى
الله عليه
وسلم فى
الحديبية ،
وفى غزوة
تبوك
وغيرها .
وتأمين
الطريق كان
فى تحرك
المسلمين
خارج حدود
المدينة
لنشر
الدعوة فى
أنحاء
العالم ،
لأنها دعوة
عالمية
للناس
جميعا .
إن الإسلام
إذا كان قد
فرض القتال
، والرسول
عليه
الصلاة
والسلام
إذا أخبر
أنه بعث
بالسيف ،
وجُعل رزقه
تحت ظل رمحه
، كما رواه
أحمد عن ابن
عمر، فإن
الواجب أن
نفهم أن
الإسلام
أمر بالقوة
، بل دعا إلى
أن يكونوا
فى أعلى
درجاتها ،
والسبب فى
ذلك أن
الإسلام
قوة جديدة
فالمنتظر
أن تحاربها
القوات
القائمة إذ
ذاك حتى لا
تزاحمها فى
سلطانها ،
وذلك شأن
الناس فى كل
العصور،
فلا بد من
الدفاع عن
الكيان
الجديد
ليثبت
وجوده
ويؤدى
رسالته ،
ولو أن
الإسلام
كان دعوة
محلية أو
مؤقتة
لكانت مهمة
التسلح هى
من أجل
الدفاع ،
لكنه دعوة
عالمية
لابد أن
تبلغ
للعالم كله
، والوسيلة
إذ ذاك هى
السفر
والضرب فى
الأرض ،
والسفر كان
وما يزال
تحفُّه
المخاطر،
فكان لا بد
من التسلح
حتى لا يقف
الأعداء فى
طريق
الدعوة .
وإذا كان
السيف لابد
منه لتأمين
طريق
الدعوة فى
الماضى ،
فإنه فى هذه
الأيام لا
مهمة له إلا
الدفاع ضد
من يريدون
شرًّا
بالإسلام
وأهله ، أما
نشره فله
عدة وسائل
لا تحتاج
إلى سفر ولا
تخشى معه
مخاطر
لطريق ،
فالصحف
والمكاتبات
وما إليها
أصبحت
تتخطى
الحدود ،
ولئن أمكن
التحكم
فيها إلى حد
ما ، فإن
الإذاعات
اليوم
أصبحت من
القوة
والانتشار،
بحيث لاحقت
الناس وهم
في بيوتهم
وعلى
أسِرّةِ
نومهم لا
تمنعها
سلطة ولا
تقف دونها
حدود ولا
أبواب . هذا
، وما يروى
أن النبي
صلى الله
عليه وسلم
قال لأهل
مكة قبل
الهجرة "
أما والذى
نفس محمد
بيده لقد
جئتكم
بالذبح "
كما رواه
الطبرانى-
فهو حديث
ضعيف يرده
العقل
والنقل ،
أما الأول
فلأن
الرسول صلى
الله عليه
وسلم كيف
يصرح بذلك
فى بدء
الدعوة وهو
منفر لها لا
مرغب فيها ؟
وكيف يقوله
وهو ضعيف لا
يستطيع
حماية نفسه
فضلا عن
حمايته
لأتباعه
القلة ؟
ولماذا
تركته قريش
وهم يعلمون
ما جاء به من
الذبح
ليحقق ما
يريد، ولم
يتغدوا به
قبل أن
يتعشى بهم ؟
وأما
الثانى
فلمنافاته
لآية { وما
أرسلناك
إلا رحمة
للعالمين }
الأنبياء :
107 ، وحديث "
إنما أنا
رحمة مهداة"
رواه
الحاكم
والطبرانى
، وما
يماثله من
نصوص
وأحداث تدل
على رقة
قلبه وعظيم
رحمته . ولو
كان النبى
صلى الله
عليه وسلم
متعطشا
للدماء ،
وبخاصة من
قريش ما عفا
عنهم عند
فتح مكة وهو
القادر على
الانتقام
منهم ، كما
أن الحديث
لا يراد به
قهرهم على
الإسلام
فهو يتنافى
مع طبيعة
الدعوة.
ومعنى قوله
صلى الله
عليه وسلم
الذى رواه
أحمد بسند
صحيح " جُعل
رزقى تحت ظل
رمحى" أن
رزقه من
الغنائم
التى يحصل
عليها
المسلمون
من الحروب
التى كان
يباشر
أكثرها
بنفسه ،
وكفاية
رئيس
الدولة
توفر من
الخرينة
العامة
بمواردها
المتعددة ،
ومنها
الغنائم ،
وهو مبدأ
إسلامى
أقره
الصحابة
لأبى بكر
وعمر
والخلفاء .
إن الفهم
السطحى
لمشروعية
القتال
بالآيات
والآحاديث
ربما يوحى
بأن
الإسلام قد
انتشر بقوة
السلاح ،
ولولا ذلك
ما كان له
وجود أو ما
كان بهذه
المساحة
الكبيرة من
الأرض ، أو
من نفوس
الناس ،
وكيف يقال
ذلك
والإسلام
دين الرحمة
كما سبقت
الإشارة
إلى ذلك ،
وهو الذى
قال {
ادخلوا فى
السلم كافة
} البقرة :
208 ، { وإن
جنحوا
للسلم
فاجنح لها
وتوكل على
اللَّه }
الأنفال :
61 ، " لا
تتمنوا
لقاء العدو
واسألوا
اللّه
العافية ،
فإذا
لقيتموهم
فاصبروا ،
واعلموا أن
الجنة تحت
ظلال
السيوف "
رواه
البخارى
ومسلم .
إن الدعوة
الإسلامية
للعرض لا
للفرض ، فما
كانت
العقائد
تغرس
بالإكراه
أبدا ، لا فى
القديم ولا
فى الحديث ،
واللّه
يقول عن نوح
{أنلزمكموها
وأنتم لها
كارهون }
هود : 28،
ويقول
لمحمد عليه
الصلاة
والسلام {
أفأنت
تُكره
الناس حتى
يكونوا
مؤمنين }
يونس : 99 ،
إلى غير ذلك
من النصوص .
وعندما
أرسل النبى
صلى الله
عليه وسلم
عليًّا
لقتال يهود
خيبر قال :
أقاتلهم
حتى يكونوا
مثلنا ؟
يعنى
أرغمهم على
الإسلام ،
فقال له "
انفذ على
رِسلك حتى
تنزل
بساحتهم ثم
ادعهم إلى
الإِسلام
وأخبرهم
بما يجب
عليهم من حق
اللَّه فيه
، فواللَّه
لأن يهدى
اُللّه بك
رجلا واحدا
خير من أن
يكون لك
حُمْرُ
النَّعَم "
رواه مسلم .
وإذا جاءت
نصوص تدل
بظاهرها
على الأمر
المطلق
بالقتال
فهناك نصوص
أخرى
تقيدها بما
إذا كان ذلك
ردًّا
لعدوان وقع
، أو جزاء
على نكث
العهد ، أو
منعا
لعدوان
سيحدث ، قال
تعالى {
وقاتلوا فى
سبيل
اللَّه
الذين
يقاتلونكم
ولا تعتدوا
} البقرة :
190 ، وقال
تعالى {وإن
نكثوا
أيمانهم من
بعد عهدهم
وطعنوا فى
دينكم
فقاتلوا
أئمة الكفر
} التوبة :
14 ،
فيُقَيَّدُ
بذلك قوله
تعالى {
وقاتلوا
المشركين
كافة كما
يقاتلونكم
كافة}
التوبة : 36
، وقوله {واقتلوهم
حيث
ثقفتموهم }
البقرة : 191،
{ وقاتلوهم
حتى لا تكون
فتنة}
البقرة : 193
، .
ولو جاءت
نصوص تفيد
فى ظاهرها
أن القتال
لأجل
الإِسلام
فالمراد أن
القتال
ينتهى لو
أعلن الناس
، الإِسلام
، ويسر خوض
المعركة
أساسا من
أجل أن
يسلموا ،
وذلك مثل
حديث " أمرت
أن أقاتل
الناس حتى
يقولوا لا
إله إلا
اللَّه ،
فاذا
قالوها
عصموا منى
دماءهم
وأموالهم
إلا بحقها
وحسابهم
على اللَّه
" رواه
البخارى
ومسلم ،
وكذلك قوله
تعالى : {قاتلوا
الذين لا
يؤمنون
باللّه ولا
باليوم
الآخر ولا
يحرمون ما
حرم اللَّه
ورسوله ولا
يدينون دين
الحق من
الذين
أوتوا
الكتاب حتى
يعطوا
الجزية . .
. } التوبة
: 29 ، فلم
يكن أخذ
الجزية
باعثا على
القتال
ولكن كان
غاية ينتهى
عندها إذا
دفعوها ،
ويؤكد أن
الغرض من
القتال ليس
مادة أن أبا
عبيدة ردَّ
على أهل
المدن ما
أخذه منهم
جزية حين
استدعوا
إلى مقابلة
الروم فى
اليرموك ،
لأنها كانت
فى مقابل
حمايتهم ،
وحيث إنهم
تخلوا عنها
فلامعنى
لبقائها فى
حوزتهم كما
ذكره أبو
يوسف فى
كتابه "
الخراج " .
هذا ، ولعل
الذين
ينادون
بالجهاد عن
طريق حمل
السلاح
يقصدون
الجهاد
لتغيير
الوضع
الحالى
للمجتمعات
الإِسلامية
، وقد قلنا
: إن وسيلة
الإِصلاح
لن تؤمن
عاقبتها
إذا كانت
قائمة على
العنف ، فإن
للقوة
إعدادها
وتخطيطها
الكبير
الجبار،
وكذلك
لدراسة كل
الظروف
القائمة
أهميتها فى
القيام
بمثل هذه
الحركة ،
ولا يجوز أن
يفهم من هذا
أننا نهوشّ
من شأن
الجهاد
بمعناه
العام ،
فإنه ماض
إلى يوم
القيامة فى
ميادينه
الواسعة
وبأساليبه
المتعددة ،
لحديث "
والجهاد
ماض مذ
بعثنى
اللّه إلى
أن يقاتل
آخر أمتى
الدجال ، لا
يبطله جور
جائر ولا
عدل عادل "
رواه أبو
داود، فإنه
يدل بعمومه
على بقاء
الجهاد فى
الميادين
السلمية ،
ويدخل فيه
الجهاد
المسلح
دخولا
أوليا ، وقد
يرشح
دلالته
عليه بخاصة
ذكر فتال
الدجال بعد
.
وإذا كان
الجهاد
مفروضا
بالسلاح
لتأمين
طريق
الدعوة
والدفاع عن
الحرمات ،
فذلك واضح
فى الجهاد
ضد الكفار،
أما الجهاد
بين الدول
الإِسلامية
فلا يجوز
مطلقا أن
يكون
للعدوان
على الحقوق
، بل لرد
العدوان ،
ولا يلجأ
إليه إلا
إذا فشلت كل
الطرق
السلمية ،
على حد قوله
تعالى : {
وإن
طائفتان من
المؤمنين
اقتتلوا
فأصلحوا
بينهما فان
بغت
إحداهما
على الأخرى
فقاتلوا
التى تبغى
حتى تفىء
إلى أمر
اللّه . . .
} الحجرات
: 9 ، وفى
الدفاع
يقول
الحديث " من
قتل دون دمه
فهو شهيد ،
ومن قتل دون
ماله فهو
شهيد . "
رواه أبو
داود ،
ويُحَذر من
العدوان
على
الأفراد أو
الجماعات
أو الدول
بين
المسلمين
فيقول " إخا
التقى
المسلمان
بسيفيهما
فالقاتل
والمقتول
فى النار "
قيل : يا
رسول اللّه
هذا القاتل
فما بال
المقتول ؟
قال " كان
حريصا على
قتل صاحبه "
رواه
البخارى
ومسلم .
والله أعلم